
بقلم عبدالسلام العقاب
wadalaqab@gmail.com
نظل نستدعي الذاكرة لنكتب عن مشروع الجزيرة الماضي التليد والحاضر بمراراته المذاقة والمستقبل بأشواق وآمال يتمناها المزارعون ، والزراعة قبل ماضيه التليد كانت من أجل المحاصيل المعيشية ، وكما هو معلوم فأن البداية قد كانت في طيبة و كركوج في عام 1911م حيث كانت تروى تلك المساحات بالطلمبات من النيل الأزرق ، وبعد إنشاء خزان سنار في عام 1925م بدأ المستعمر في تنفيذ الخرط المعدة مسبقاً لقيام المشروع وذلك بشق المواجر والقنوات الناقلة حتى مرحلة أبوعشرين واستمر التنفيذ من 1925م إلى 1955م أي قبيل الاستقلال وذلك في مساحة مليون ومائتا ألف فدان ثم بعد الاستقلال تمت إضافة مليون فدان جديدة وهي ما عرفت بإمتداد المناقل.
وظل المشروع يرفد الخزينة العامة للدولة بالعملات الصعبة بل أن الجنيه السوداني كان أصعب منها جميعاً بل ظل يحمل على كاهله هم التنمية في كل ربوع الوطن بلا استثناء ولا يستطيع إنكار ذلك إلا مكابر ..
والحديث عن جمعيات مهن الإنتاج الزراعي يفرضه الواقع الأليم الذي يعيشه المزارعون حيث لاجسم رسمي ينافح عنهم وهنا كان لزاماً أن نقف على ملمح من إتحادات المزارعين ،منذ ادارة المستعمر للمشروع قريباً من إنشائه فيما عرف بهيئة المزارعين .. قاد العمل في تلك الإتحادات رجال أشاوس تبنوا فيها المواقف العظيمة وليس أدل على ذلك من ثورة ديسمبر 1953م إذ تجمع ما يربو على الخمسة وعشرون ألف مزارع جاءوا من كل أقسام وتفاتيش و قرى المشروع تجمعوا في ميدان عبدالمنعم لرفع مذكرة للمستعمر للإعتراف بإتحاد مزارعي مشروع الجزيرة والتي حشدوا لها الدعم والمباركة بعد زيارات للمزارعين في قراهم والإتفاق معهم على القضايا المصيرية للبلاد و قد كان للمزارعين الأثر البالغ في استقلال السودان .
ولقد جاء في المذكرة :
(اليوم يقرر مزارعو الجزيرة و بغض النظر عن إتجاهاتهم السياسية والطائفية والإجتماعية أنهم يرفضون رفضاً باتاً السياسة الإقتصادية البريطانية القائمة على أساس نهب إنتاج الجزيرة و سلبه لصالح الشركات البريطانية) و كان قد قاد تلك التظاهرة الكبري و التي عرفت بـ(موكب ميدان عبدالمنعم) عدد كبير من قادة العمل الزراعي يتقدمهم الراحل شيخ الأمين محمد الأمين ، وفيما بعد توالى على قيادة الإتحاد قامات سامقة صدقوا ما عاهدوا عليه وكانت لهم اسهامات وإشراقات و رأي سديد لا تتجاوزه أياً من تلك الإدارات التي تعاقبت على سدة إدارة المشروع منذ الاستعمار إلى عهد السودنة ..
ظلت إدارات إتحاد المزارعين تأتي عبر إنتخابات ديمقراطية عبر تجمعات المزارعين .. لذلك كان أؤلئك الصناديد الذين عرفتهم المواقف الوطنية والزراعية و ما حدث أن جاء أحدهم بالتعيين فكانوا أقوياء تسندهم قواعدهم القوية.
حدثني طيب الذكر الراحل عبدالرحيم أبوسنينة الذي كان رئيساً للإتحاد في إحدى دوراته أنه في عهد الإنقاذ عندما أرادوا تكوين إتحاد للمزارعين بالتعيين أرسلوا له سيارة (برادو) أقلته إلى مكان الإجتماع ليعرضوا عليه رئاسة إتحاد المزارعين بالتعيين ولكنه في إباء يحسد عليه رفض أن يأتي للرئاسة بالتعيين والتي قد جاءها من قبل بديمقراطية شهد لها العالم أجمع بشفافيتها ونزاهتها.
ومن لحظة لقاء أبو سنينة تلك ظلت الإتحادات تتم بالتعيين إلى أن صدر قانون جمعيات مهن الإنتاج الزراعي والحيواني ، بعد صدور القرار تم تكوين جمعيات مهن الإنتاج الزراعي والحيواني و كانت بداية التدشين قد تمت بمكتب السديرة بالقسم الشمالي الغربي للمشروع و شهده جمع من المسؤولين تتقدمهم وزيرة العدل آنذاك تهاني تور الدبة ومحافظ المشروع السيد سمساعة ثم إنطلق تكوين الجمعيات على مستوى الجزيرة والمناقل وباشرت اللجان مهامها منهم من نجح ومنهم من أخفق ومنهم من استغل منصبه لتحقيق مصالح شخصية كتبت عنها من قبل على هذه الصحيفة مقالاً بعنوان (إستغفال محافظ الجزيرة) وظلوا هكذا إلى سقوط الإنقاذ في أبريل 2019م حيث تم حل جميع النقابات وتم تعيين لجنة تسييرية لمشروع الجزيرة إختلف حولها المزارعون و كونوا أجساماً موازية ..منها على سبيل المثال تجمع مزارعي الجزيرة والمناقل وأجسام أخرى منها الجهوية والحزبية و أصبح الشد والجذب أحد أبشع صور تلك المناهضات و المماحكات ، ظهرت بعض الإشراقات والتي وئدت في مهدها فلقد كان لقاء بركات في يوليو2021م الذي إنعقد من أجل مناهضة قرار تحويل المشروع لهيئة زراعية وأطنب المتحدثون وقتها عن ضرورة قيام جسم شرعي يمثل مزارعي المشروع وإتفقت الجموع على الفكرة وإختلفوا على آلية التنفيذ وإنفض سامرهم و مسامراتهم دون تحقيق تلك الطموحات المشروعة.
وبعد حل جميع اللجان التسييرية وإعادة العمل بالنظام القديم سعى بعض المخلصين من أبناء الحزيرة لقيام إتحاد للمزارعين وإلتقي وفدهم بالسيد الطاهر حجر عضو مجلس السيادة و بخطاب رسمي خاطب السيد وزير العدل والذي بدوره وجه مسجل التنظيمات بجعل أمر جمعيات مهن الإنتاج الزراعي بمشروع الجزيرة موضع التنفيذ ..كل ذلك في مطلع يناير من هذا العام.
وتنفيذاً لتلك التوجيهات وفي إطار الترتيبات الجارية لإعادة تكوين تنظيمات مهن الإنتاج الزراعي بالمشروع قام مولانا عامر الشريف المسجل العام للتنظيمات بزيارة لإدارة المشروع ببركات استقبله فيها مولانا د. مبارك بابكر مدير الإدارة القانونية بالمشروع ومولانا عوض الله خالد رئيس لجنة تنظيمات مهن الإنتاج الزراعي بولاية الجزيرة وعدد من مسؤولي الإدارة الزراعية بالمشروع وفي إجتماع موسع ضم أهل الشأن الزراعي أمن الإجتماع على ضرورة الإسراع في إعادة تكوين تنظيمات المنتجين القاعدية على مستوى الترعة ثم النوعية على مستوى التفتيش والتخصصية على مستوى القسم المعني وأوصي مولانا عامر الشريف أن يكون كل ذلك عبر الإنتخاب الحر المباشر توطئةً لتكوين التنظيم العام على مستوى المشروع و هكذا أرادها السيد المسجل مولانا عامر الشريف الذي تلمس من إدارة المشروع إيمانها بأهمية وجود جسم رسمي وشرعي يمثل المزارعين على مستوى المشروع..
ولعله بهذه الزيارة التي تمت في مطلع فبراير الحالي قد قطع الطريق أمام من يزايدون على قيام التنظيم لحاجة في نفوسهم أقلها بقاءهم على هرم التنظيم ، و لعل المرحلة الحرجة التي يمر بها المشروع والدولة في بعض مرافقها تنظر لمن يفاوضونها إنابةً عن المزارعين بأنهم جسم غير رسمي و لقد شاهد الجميع أن أكثر من خمسة وفود كانت تفاوض من أجل السعر التركيزي ولا يغيب عن المتابع التباين أو الشيفونية في بعض أعضاء تلك الوفود.
وللخروج من من عنق الزجاجة تلك لابد من توافق الجميع و التواضع على ضرورة أن ينال المزارعون حقهم الديمقراطي في إختيار ممثليهم و هذا هو الوضع الطبيعي و لعل ما سواه لا يعدو أن يكون عرقلةً للجهود المخلصة لقيام جسم شرعي يرعى شؤون المزارعين ..
ختاماً
هي رسالة يوجهها المزارعون للسيد مسجل التنظيمات أن يسعي سعياً حثيثاً لوضع حد للتباين في الرؤى ولا يتم ذلك إلا بقيام الجمعيات من قواعدها في الترعة الواحدة إنتهاءً بالهرم الذي يتهافت عليه أصحاب المصالح الخاصة.
والله من وراء القصد وهو الهادي لسواء السبيل.

