
محمد جمال قندول
أطل قائد عام الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان من قاعدة حطاب العملياتية شمالي الخرطوم صباح أمس (الاحد)، في خطاب أرسل الرجل من خلاله رسائل في بريد القوى السياسية بشكل عام والوطني والحركة الاسلامية بصفة خاصة، محذراً من ممارسات الزج بالقوات المسلحة في الصراع السياسي.
وجرت كثير من الاحداث تحت جسر (الازمة) التي تعطل مسار الانتقال، حيث ترشح انباء عن تسوية سياسية مرتقبة بين العسكر والمركزي وقوى مدنية اخرى ظل يقابلها البرهان بالنفي، وان كان يؤكد على ضرورة الحل السياسي عبر توافق، مع اشارات الى وجود تفاهمات تجرى لوضع حد للازمة.
والتسريبات المتعلقة بالتسوية أثارت حفيظة قوى وتحالفات سياسية ومدنية اعلنت صراحة وقوفها ضدها مع ضرورة شمولية الحوار، وفي مقدمتها مبادرة نداء اهل السودان التي يقودها القطب الديني الشيخ الطيب الجد. وصمت البرهان عن الادلاء باي حديث مباشر حيال الانباء المتداولة، والصراع السياسي رسم تساؤلات عن ادارة رئيس مجلس السيادة لملف الازمة وكيفية تعاطيه مع تداعياتها، وهل صمته مقصود ام مكر منه؟ ليخرج الرجل أمس مقدماً خطاباً وصفه الكثيرون بالمباشر والقوي.
(1)
ودعا قائد عام الجيش المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وغيرها من القوى السياسية الى الابتعاد عن القوات المسلحة، مشيراً الى أن الجيش لن يعيد المؤتمر الوطني إلى السلطة، وتابع قائلاً انهم لن يوقعوا على أية وثيقة تهدف لتفكيك الجيش. ووصف الفريق اول عبد الفتاح البرهان الاقاويل عن وجود المؤتمر الوطني داخل الجيش بالشائعات، وان من يتحدثون بذلك يسعون للوصول إلى أهدافهم عبر الشائعات، مؤكداً أن الجيش ليس مع الحرية والتغيير وليس مع المؤتمر الوطني ولا مع الشيوعيين، قائلاً ان الجيش مع الوطن والمواطن، وطالب قائد الجيش القوى السياسية بالتوافق لمصلحة السودان، مضيفاً أن كل المكونات السياسية لها حق مشروع في المشاركة في العملية السياسية.
حديث رئيس مجلس السيادة بالبزة العسكرية في حطاب شمال العاصمة استحوذ على اهتمام بالغ من المكونات السياسية واجهزة الاعلام، لجهة انه يأتي في ظل ظروف استثنائية والبلاد تشهد حالة من السيولة السياسية والامنية، حيث طاف على قضايا الساحة السياسية عبر خطاب قصير تطرق من خلاله للوثيقة الدستورية والتسوية، وان كان ذلك باشارات غير مباشرة ولكنها كانت كافية لوضع النقاط على الحروف. وتباينت ردود الافعال حيال حديث الفريق اول عبد الفتاح البرهان، حيث ان تفكيك رسائله الواردة في الخطاب في حد ذاتها رسمت تساؤلات جديدة واجابت عن محاور كانت من شواغل الساحة السياسية.
(2)
وأبرزت تسريبات خلال الايام الماضية ضمانات تقدم للقادة العسكريين بعدم الملاحقة القانونية في سبيل انجاز التسوية، الامر الذي خلق في ما يبدو عدم رضاء الجيش. ومن هنا يبرز توقيت الخطاب ومكانه ورسائل البرهان المباشرة في بريد القوى السياسية والتيار الاسلامي بشكل خاص الذي خرج بشكل علني رافضاً مبدأ التسوية عبر تظاهرات حاشدة تحت لافتة مبادرة نداء اهل السودان.
كما أن حديثه في قاعدة حطاب الذي جاء قبل ساعات قليلة من مغادرته لمصر مشاركاً في مؤتمر المناخ يحمل رسائل للخارج، لبعث تطمينات وتفنيد المزاعم الرائجة عن تنسيق يجمع رئيس مجلس السيادة بالتيار الاسلامي، ولتبديد هواجس بعض القوى الإقليمية والدولية التي تحرص على الدفع بالعملية السياسية عبر تسوية تعيد الشراكة بين المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير ومكونات اخرى على غرار الشعبي والاتحادي وانصار السنة.
ويواجه (الجنرال) تحديات داخلية وخارجية منذ قراراته قبل عام التي انهت الشراكة بين العسكريين والمدنيين، وعلقت بعض مواد الوثيقة الدستورية، وافضت الى ازمة سياسية خلفت فراغاً دستورياً دام عاماً كاملاً.
(3)
وتصر قوى الحرية والتغيير على ضرورة اعتماد مسودة المحاميين كوثيقة دستورية تدير الفترة الانتقالية وتكون مرتكزاً لحل سياسي ينهي جمود الازمة، وفي ذات الوقت ترفضها قوى سياسية وتحالفات، فيما ابدت حركات مسلحة وبعض اطراف السلام تحفظها، وراجت انباء عن اكثر من (30) تعديلاً دفع بها المكون العسكري حيالها.
وأكد البرهان أمس عدم توقيعهم على أية وثيقة تهدف لتفكيك الجيش في اشارة الى مسودة المحامين التي تحدثت عن الأجهزة الامنية عبر مواد استطالت بتعريف مهامها واختصاصاتها.
وثيقة المحامين تحظى بقبول عدد من مراكز القرار الاقليمية والدولية، وهو ما جعل الجنرال تحت ضغوط التوافق حولها ولو بتعديلات تجرى عليها.
رئيس مجلس السيادة عرج أمس على التوافق قائلاً: (اذا لم يتفق السياسيون على مرحلة جديدة فإن البلاد ستكون بحاجة إلى من يقودها إلى الأمام)، الأمر الذي عده مراقبون اشارة للاحزاب بضرورة انجاز وفاق بوتيرة سريعة، لجهة ان اوضاع البلاد لن تحتمل الصبر طويلاً بعد عام من الفراغ الدستوري والتنفيذي الذي يقابله تمدد مساحات الاستياء الشعبي.
خبراء سياسيون ذهبوا الى ان خطاب البرهان امس جاء لحسم الضبابية حول بعض الملفات، من ضمنها الوثيقة الدستورية للمحامين ووضع حد كذلك لتعامل البرهان مع الازمة، غير انهم اعتبروا ان دلالات تحذيره للوطني والحركة الاسلامية اذا ما ربطت بتسريبات التفاهمات بين المدنيين والعسكر فإنها ستذهب نحو اقتراب التسوية التي تعني حاضنة سياسية جديدة قطعاً لن يكون الاسلاميون جزءاً منها.


مرتبط